فصل: (سورة الحشر: الآيات 11- 17)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



و{المهاجرين} نعت للفقراء و{الذين} نعت ثان وجملة {أخرجوا} صلة وهو فعل ماض مبني للمجهول والواو نائب فاعل و{من ديارهم} متعلقان بأخرجوا {وأموالهم} عطف على {ديارهم} وساغ التعبير عنه بالخروج منه لأن المال بمثابة الظرف الذي يستر صاحبه فناسب التعبير عنه بالخروج.
{يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانًا} الجملة حالية أي حال كونهم طالبين منه تعالى فضلا ورضوانا، و{فضلا} مفعول به و{من اللّه} متعلقان بيبتغون أو بمحذوف نعت لفضلا {ورضوانا} عطف على {فضلا}.
{وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} الجملة معطوفة على جملة {يبتغون} و{اللّه} مفعول {ينصرون} {ورسوله} عطف على {اللّه} و{أولئك} مبتدأ و{هم} ضمير فصل أو مبتدأ و{الصادقون} خبر {أولئك} أو خبرهم والجملة خبر {أولئك}.
{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ} كلام مستأنف مسوق لمديح الأنصار الذين حدبوا على المهاجرين وأحلّوهم دارهم، ولك أن تجعله منسوقا على الفقراء فالذين على هذين الوجهين إما مبتدأ وإما معطوف على الفقراء فهو في محل جر وجملة {تبوءوا} صلة و{الدار} مفعول به و{الإيمان} مفعول به لفعل محذوف تقديره وأخلصوا على حدّ قوله:
علفتها تبنا وماء باردا

ويكون العطف من عطف الجمل لأن {الإيمان} لا يتخذ منزلا فاختصر الكلام، وقيل هو على حذف مضاف والمعنى دار الهجرة ودار الإيمان فأقام لام التعريف في الدار مقام المضاف إليه وحذف المضاف من دار الإيمان ووضع المضاف إليه مقامه، أو منصوب بتبوءوا بعد تضمينه معنى لزموا كأنه قال لزموا الدار ولزموا الإيمان وقيل هو من عطف المفردات على أن يكون التجوّز واقعا في الإيمان على طريق الاستعارة وسيأتي مزيد بحث عنه في باب البلاغة، و{من قبلهم} حال وجملة {يحبّون} خبر {الذين} و{من} مفعول به وجملة {هاجر} صلة و{إليهم} متعلقان بهاجر.
{وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا} الواو عاطفة و{لا} نافية و{يجدون} فعل مضارع مرفوع والواو فاعل و{في صدورهم} متعلقان بيجدون و{حاجة} مفعول به و{مما} نعت لحاجة وجملة {أوتوا} صلة لما.
{وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ} عطف على ما تقدم و{على أنفسهم} متعلقان بيؤثرون والواو حالية و{لو} شرطية و{كان} فعل ماض ناقص و{بهم} خبر كان المقدم و{خصاصة} اسمها المؤخر.
قال ابن عمر: أهديت لرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شاة فقال: أخي فلان أحوج إليها وبعث بها إليه فلم يزل يبعث بها واحد بعد واحد حتى تداولها تسعة أبيات ورجعت إلى الأول فنزلت.
{وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الواو استئنافية و{من} شرطية في محل رفع مبتدأ و{يوق} فعل الشرط مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلّة وهو فعل مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل مستتر تقديره هو و{شحّ} مفعول به ثان والفاء رابطة لجواب الشرط وأولئك مبتدأ و{هم} ضمير فصل أو مبتدأ ثان و{المفلحون} خبر أولئك أو خبرهم والجملة خبر أولئك وجملة {فأولئك} إلخ في محل جزم جواب الشرط وفعل الشرط وجوابه خبر من.
{وَالَّذِينَ جاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقولونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ} {الذين} مبتدأ وجملة {جاءوا} صلة و{من بعدهم} متعلقان بجاءوا وجملة {يقولون} خبر {الذين} و{ربنا} منادى مضاف و{اغفر} فعل دعاء وفاعله مستتر تقديره أنت والجملة مقول القول. {ولإخواننا} عطف على {لنا}، و{الذين} نعت لإخواننا وجملة {سبقونا} صلة {الذين} و{بالإيمان} متعلقان بسبقونا.
{وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا} الواو عاطفة و{لا} ناهية و{تجعل} فعل مضارع مجزوم بلا و{في قلوبنا} في موضع المفعول الثاني لتجعل و{غلّا} مفعولها الأول و{للذين} نعت لغلّا أي حقدا..
{رَبَّنا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} {ربنا} منادى مضاف وإن واسمها و{رءوف} خبر إن الأول و{رحيم} خبرها الثاني.

.البلاغة:

في قوله: {والذين تبوءوا الدار والإيمان} فن الإيجاز، وقد تقدم بحثه مفصلا، وهو هنا نوع تختصر فيه بعض الألفاظ ويأتي كله بلفظ الحقيقة، لكن اختصاره من اختصار ألفاظ المجاز، وبعضهم يسمّيه اختصار الاتباع، فإن التقدير كما قدّمنا في باب الإعراب: تبوءوا الدار وأخلصوا الإيمان، كما قال ذو الرمّة:
لما حططت الرحل عنها واردا ** علفتها تبنا وماء باردا

أي وسقيتها، وكقول عبد اللّه بن الزبعرى:
ورأيت زوجك في الوغى ** متقلدا سيفا ورمحا

أي ومتقلدا رمحا.

.الفوائد:

للإعراب في قوله: {للفقراء} أثر كبير في توجيه المعتقد، فمذهب أبي حنيفة رحمه اللّه أن استحقاق ذوي القربى لسهمهم من الفيء موقوف على الفقراء حتى لا يستحقه أغنياؤهم، وقد أغلظ الشافعي رحمه اللّه، فيما نقله عنه إمام الحرمين، الردّ على هذا المذهب بأن اللّه تعالى علّق الاستحقاق بالقرابة ولم يشترط الحاجة، وعدم اعتبار القرابة مضادّة محادّة، واعتذر إمام الحرمين لأبي حنيفة بأن الصدقات لما حرّمت عليهم كان فائدة ذكرهم في خمس الفيء والغنيمة أنه لا يمنع صرف ذلك إليهم امتناع صرف الصدقات.
ثم أتبع هذا العذر بأن قال: لا ينبغي أن يعبّر به فإن صيغة الآية ناصّة على الاستحقاق لهم تشريفا لهم وتنبيها على عظم أقدارهم، فمن حمل ذلك على جواز الصرف إليهم مع معارضة هذا الجواز بجواز حرمانهم فقد عطّل فحوى الآية، ثم استعظم الإمام وقع ذلك عليهم لأنهم يذهبون إلى اشتراط الإيمان في رقبة الظهار زيادة على النصّ فيأتون في إثبات ذلك بالقياس لأنه يستنتج وليس من شأنه الثبوت بالقياس، قال فكذلك يلزمهم أن يعتقدوا أن اشتراط الفقر في القرابة واشتراط الحاجة لقرب ما ذكروه بغرض القرب، فأما وأن أصلهم المخصوصون من نسب الرسول عليه الصلاة والسلام والنابتون من شجرته كالعجمة فلا يبقى مع هذا لمذهبهم وجه.
انتهى كلام الإمام، وإنما أوردته ليعلم أن معارضته لأبي حنيفة على أن اشتراط الحاجة عند أبي حنيفة مستند إلى قياس أو نحوه من الأسباب الخارجة عن الآية فلذلك ألزمه أن يكون زيادة على النصّ فأما وقد تلقى أبو حنيفة اعتبار الحاجة من تقييد هذا البدل المذكور في الآية فإنما يسلك معه واد غير هذا فيقول هو بدل من المساكين لا غير، وتقديره أنه سبحانه أراد أن يصف المساكين بصفات تؤكد استحقاقهم وحمد الأغنياء على إيثارهم وأن لا يجدوا في صدورهم حاجة مما أوتوا فلما قصد ذلك وقد فصّل بين ذكرهم وبين ما يقصد من ذكر صفاتهم بقوله: {كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم} إلى قوله: {شديد العقاب} طرّى ذكرهم ليكون توطئة للصفات المتتالية بعده فذكر بصفة أخرى مناسبة للصفة الأولى مبدلة منها وهي الفقر لتشهد التطرية على فائدة الجمع لهم بين صفتي المسكنة والفقر ثم تليت صفاتهم على أثر ذلك وهي إخراجهم من ديارهم وأموالهم مهاجرين وابتغاؤهم الفضل والرضوان من اللّه، فإن ذوي القربى ذكروا بصفة الإطلاق فالأصل بقاؤهم على ذلك حتى يتحقق أنهم مرادون بالتقييد وما ذكرناه من صرف ذلك إلى المساكين يكفي في إقامة وزن الكلام فيبقى ذوو القربى على أصل الإطلاق وتلك قاعدة لا يسع الحنفية مدافعتها فإنهم يرون الاستثناء المتعقب للجمل يختصّ بالجملة الأخيرة لأن عوده إليها يقيم وزن الكلام ويبقى ما تقدمهنّ على الأصل ولا فرق بين التعقيب بالاستثناء والبدل وكل ما سوى هذا مع أنه لو جعل بدلا من ذوي القربى مع ما بعده لم يكن إبداله من ذوي القربى إلا بدل بعض من كل فإن ذوي القربى منقسمون إلى فقراء وأغنياء ولم يكن إبداله من المساكين إلا بدلا للشيء من الشيء وهما لعين واحدة، فيلزم أن يكون هذا البدل محسوسا بالنوعين المذكورين في حالة واحدة وذلك متعذر لما بين النوعين من الاختلاف والتباين وكلّ منهما يتقاضى ما يأباه الآخر فهذا القدر كان إن شاء اللّه تعالى وعليه أعرب الزجّاج الآية فجعله بدلا من المساكين خاصة واللّه تعالى الموفّق للصواب.

.[سورة الحشر: الآيات 11- 17]

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقولونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (12) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (13) لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (14) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (15) كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قال لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قال إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (16) فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (17)}

.الإعراب:

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقولونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ} كلام مستأنف مسوق لحكاية ما جرى بين المنافقين والكفّار من أقوال كاذبة ومحاورات متهافتة، والهمزة للاستفهام التقريري ولم حرف نفي وقلب وجزم و{تر} فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف حرف العلّة والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت أي تنظر و{إلى الذين} متعلقان بتر وجملة {نافقوا} صلة وجملة {يقولون} مستأنفة لبيان المتعجب منه والتعبير بالمضارع لاستحضار صورة القول وتجدده ولإخوانهم متعلقان بيقولون و{الذين} نعت لإخوانهم وجملة {كفروا} صلة {الذين} و{من أهل الكتاب} حال.
{لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا} الجملة مقول قول قولهم واللام موطئة للقسم وإن شرطية و{أخرجتم} فعل ماض مبني للمجهول في محل جزم فعل الشرط والتاء نائب فاعل واللام جواب القسم أيضا ونخرجن فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة والجملة لا محل لها لأنها جواب القسم وجواب إن الشرطية محذوف، والكثير في كلام العرب إثبات اللام المؤذنة بالقسم قبل أداة الشرط، و{معكم} ظرف متعلق بنخرجنّ والواو حرف عطف و{لا} نافية و{نطيع} فعل مضارع مرفوع لأنه معطوف على جملة {لئن أخرجتم} وكذلك قوله: {وإن قوتلتم} فمقول قولهم ثلاث جمل وجاء الفعل مرفوعا هو وما بعده لأنها راجعة على حكم القسم لا على حكم الشرط وفقا للقاعدة المتفق عليها من أنه إذا تقدم القسم على الشرط كان الجواب للقسم، و{فيكم} متعلقان بنطيع على حذف مضاف أي في خذلانكم و{أحدا} مفعول به و{أبدا} ظرف للنفي متعلق بنطيع أيضا.
{وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ} الواو عاطفة و{إن} شرطية حذفت قبلها اللام الموطئة للقسم و{قوتلتم} فعل ماض مبني للمجهول في محل جزم فعل الشرط واللام جواب القسم وننصرنّكم فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة وجواب إن محذوف والجملة لا محل لها لأنها جواب القسم وقد تقدم القول في ذلك.
{وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ} {واللّه} مبتدأ وجملة {يشهد} خبر وإن حرف مشبّه بالفعل وكسرت همزتها لوقوع اللام المزحلقة في خبرها والهاء اسمها وكاذبون خبرها.
{لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ} اللام موطئة للقسم وإن شرطية و{أخرجوا} فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل وهو في محل جزم فعل الشرط وجواب إن محذوف دلّ عليه جواب القسم وهو جملة {لا يخرجون} و{معهم} ظرف متعلق بيخرجون.